زعــــي أيوب تصدأ مشاعرنا، وتكسو ملامحنا غيمات التيه، دمى تتحرك بلا روح، نهدأ، نبكي، نتنهد، ثم نهدأ ونبكي ونتنهد من جديد، جرجرت قدميّ وأنا اتجه لمعرفة نتيجة الامتحان، لم أدهش عندما وجدت نفسي حاصلاً على درجة الامتياز، فقط ابتسمت، وتخيلت أن الدنيا تلقي إليّ بلقيّمة من فرح، وكأنها تشفق عليّ، شكراً، كنست أحزاني، ونفضت عن روحي غبار الموت مؤقتاً، كان ينبغي أن أفرح، أخذتني متاهة من التنفس، تنفست بكل عمقي، مسحت عن جبهتي عرق الألم، وضعت كتبي وملابسي في المحفظة ، واتجهت إلى محطة القطار، القطار مرة أخرى، العودة، التكرار اللامتناهي، ألقيت بكتاب « نيتشه » في سلة المهملات، كانت التجربة حية، فكرت أن أذهب إلى العاصمة، لأبحث عنها من جديد، لن استسلم ليأسي، لن أموت يوماً من إحباطي، الحياة مستمرة، البشر عادوا إلى الحياة بعدما اكتست وجههم بملامح الموت، وصارت الشوارع مرة أخرى مرصوفة باليقين الأزلي في دوامة الاستمرار في ممر الأبدية، لم يكن الطريق طويلاً ومملاً كما في المرة السابقة، استسلمت لغفوة من الحياة ومن الموت، وحتى من الغيبوبة، لم أقرأ كتاباً فلسفياً جديداً يصبغ على لحظتي طابع معقد، لم أفعل أي شيء غير أني كنت أفكر فيها، في تلك اللحظة التي تجمعني بها، وفي شوارع العاصمة كنت أبحث عن وجهها، كنت أراها في كل الوجوه، ليست كل الوجوه ولكنها عيوني، أرهقت، تعبت، مر اليوم ثقيلاً، لم أشعر بالجوع كما تعودت أن أشعر به، اعتدت عليه كما اعتدت على سخافة الحزن، اعتدت على وجعي، صار وجعي كشامة في وجهي، لا يهم، لنلتقي مجدداً، ولتمنحيني بهجة من كفيكِ عندما ألمسهما، ولتعطيني مسحة الحنان من عينيكِ عندما يضحكان، اعتدت ضحكتكِ يا نن العيون، الممر قاتم بدونكِ، لا يهم، وفي أخر الرواق سوف تتلامس أيدينا وسوف ندخل دوامة التيه، دون أن نفقد الاتجاهات مرة ثانية، فقط، أنا أبحث، أنا أنتظر، وأعرف أنا انتظاري جزء من تكوين روحي، لا يهم، لحظة اللقاء قادمة، آتية، رغم الفواجع، رغم المقادير، وعلى شرفتي سوف تهمس عصافير البوح بمكنون الأحلام كلها، وأعرف أنكِ موجودة في مكان ما، في خريطة أخرى، ولكنكِ مليئة بالحياة مثلي، لم أمت، أنا حي، عاشق، منتظر لأتنشق عبير أنفاسكِ من جديد، رغم الغربة والمتاهات، ورغم مهارة الحزن واتقانه في فشل ترويضي له، رغم كل شيء أنا قادم إليكِ، فانتظريني، وافتحي كفيكِ لاستقبالي، لن أتأخر، سوف أجيء في الموعد المناسب تماماً، حياً، أتنفس، أحكي لكِ عن الفراشات التي تساعدني في البحث عنكِ، وأغني لكِ أغنية العشق المجنون، وأكتب لكِ قصائد الشعر، مصفوفة مفرداتي على جبينكِ، وعلى شعركِ سوف تبدأ رحلتي التالية…..